3 جوانب من شخصية نتنياهو يغفلها ترامب

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


بالنسبة إليه، الحياة السياسية، كما العملية، بسيطة: أضواء فصفقات ثم مصافحات. بذلك، يكون الجميع سعداء. وأهمية هذه الشكليات في صناعة السلام لا تخطئها عين. لا جدال في أن هذه عوامل أساسية لتقارب الدول. العقبة أنها ليست دائماً “العوامل الأساسية”. لهذا السبب، يخفق الرئيس دونالد ترامب مثلاً في حل النزاع بين روسيا وأوكرانيا. لماذا لا توقف الدولتان الحرب وتحميان آلاف الجنود أسبوعياً من الموت؟ يتساءل ترامب.

 

بالنسبة إلى الرئيس فلاديمير بوتين، مشروع توحيد “العالَم الروسي” (Russkiy mir) يستحق كل هذه الخسائر. وبالنسبة إلى الرئيس فولوديمير زيلينسكي أيضاً، تهون أمام حماية أوكرانيا من الذوبان في روسيا كل التضحيات.

 

وكما في أوكرانيا، كذلك في إسرائيل. راحت انتقادات ترامب لبوتين وزيلينسكي تطال بشكل مباشر أو غير مباشر رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

 

الجندي يغيظ رجل الأعمال

“تصرف بيبي كرجل مجنون، هو يقصف كل شيء كل الوقت”، كما قال مسؤول في البيت الأبيض بحسب “أكسيوس”. وشبهه مسؤول ثانٍ بـ “الطفل”. وعن القصف الإسرائيلي لسوريا، قال آخر إنه “فاجأ الرئيس (الذي) لا يحب أن يشاهد في التلفاز قصف دولة يريد السلام فيها”.

 

يبدو أن رجل الأعمال والمقربين منه لا يفهمون نتنياهو، كجندي سابق أكثر من كونه طفلاً. يقال إن ترامب ازدرى الجنود الأميركيين القتلى بصفتهم “خاسرين”، وهو أمر نفاه الرئيس بشدة. لكن انتقاده للسيناتور السابق جون ماكين وازدراءه لكيفية وقوعه أسيراً في فيتنام مؤكد. نتنياهو، بعكس ترامب الذي تجنب الخدمة في فيتنام لأسباب طبية وتعليمية، آتٍ من عالم القتال. انخرط في وحدة الاستطلاع العسكرية الخاصة “سايريت ماتكال” لأعوام. أصيب مرات عدة، وخسر شقيقه يوناثان حين كان يقود تلك الوحدة في عملية خارجية. بهذا المعنى، ثمة فرق في الطباع بين الشخصيتين. قد يخضع الجندي لرجل الأعمال، لكن بشكل موقت فقط، إلى أن يصرف الرئيس انتباهه باتجاه أمور أخرى.

 

مزعجة هي الاستراتيجيا

يرى الواقعيون الكلاسيكيون والهجوميون أن الأمم تسعى إلى زيادة مصالحها الخارجية كلما زادت قوتها النسبية. أحد الفروقات بين الطرفين أن الأول ينسب الحروب إلى الطبيعة البشرية، بينما يعزوها الثاني إلى فوضى النظام الدولي. في الحالين، تنطلق سياسات نتنياهو التوسعية من انهيار القوة الإيرانية، وازدياد قوة إسرائيل. وغياب أميركا عن الشرق الأوسط، على قاعدة “فَلنتوجه إلى شرق آسيا”، يعزز الفوضى الإقليمية وبالتالي يد نتنياهو.

 

في نيسان/أبريل الماضي، دعت “جيروزاليم بوست” إلى إعادة تفعيل “عقيدة بيغن” الاستباقية وتوجيه ضربات وقائية ضد تطوير الأعداء أسلحة دمار شامل. لكن نتنياهو لم يلتزم بعقيدة بيغن وحسب، بل دفعها إلى مستوى أعلى. ما كان غارات خارجية محدودة وسرية أحياناً، أصبح حرباً شاملة. نتنياهو نفسه روّج لفكرة أن إيران تشكل “الخطر الوجودي” على إسرائيل منذ وصوله إلى السلطة في التسعينات. في الكثير من سلوكيات نتنياهو تطلعات بعيدة المدى تتجاوز ما يفضله ترامب من مصافحات وصفقات وأضواء إعلامية عابرة. مجدداً، ما يصح في شرق أوروبا، يصح أيضاً في شرق المتوسط.

 

بحث عن النجاة

انتقد ترامب المحاكمات التي تلاحق نتنياهو، متدخلاً في الشؤون الإسرائيلية. ليس أن الأخير أعفى نفسه من التدخل في شؤون أميركا على أي حال. لكن ترامب شبّه ما يحصل مع نتنياهو بما حصل معه. أن ينظر أقوى رئيس في العالم إلى التطورات الدولية عبر عدسته الخاصة حصراً يمثّل مشكلة. كذلك، إن انتقاد ترامب للقضاء الإسرائيلي هو الوجه الآخر للشتيمة التي وجهها إلى نتنياهو بعد مسارعته إلى تهنئة بايدن سريعاً بفوزه في الانتخابات الرئاسية سنة 2020.

 

صحيح أن نتنياهو وترامب يوليان مصلحتهما الشخصية أولوية شبه مطلقة. لكن الصحيح أيضاً أنه وفي الوقت الذي يهتم نتنياهو بنجاته السياسية، لا يبدو الإسرائيليون مستعجلين لإسقاط رئيس وزرائهم. فهم أيضاً منشغلون بنجاتهم بعد 7 أكتوبر. في إحدى النواحي، تبدو المصلحتان متقاطعتين. ليس فقط نتنياهو، بل إسرائيل كلها تقريباً “تقصف كل شيء كل الوقت”.

 

يريد ترامب وقف الحروب حول العالم وهذا يستحق الثناء. لكن وقف الحروب يقتضي أيضاً فهم نظرة وعقيدة الأطراف المنخرطة فيها لتغييرها بالديبلوماسية، وإلا فبالإكراه. يحتاج الشرق الأوسط إلى pax americana لغايات متنوعة، ليس أقلها ضبط نتنياهو وإسرائيل. ليس واضحاً ما إذا كان ترامب مهتماً بتطبيق هذا المفهوم، والأهم، بالاستثمار فيه لفترة كافية.



‫0 تعليق

اترك تعليقاً