كيف تسعى مصر لتلبية شروط صندوق النقد الدولي لإجراء المراجعتين الخامسة والسادسة؟

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


في مشهد اقتصادي بالغ الحساسية، تتحرك مصر على أكثر من مسار لتجاوز واحدة من أهم المحطات التقييمية في برنامجها مع صندوق النقد الدولي، والمتمثلة في المراجعتين الخامسة والسادسة، لاسيما بعد تأجيل المراجعة الخامسة بفعل فجوات تنفيذية تتعلق بالسياسات المالية والإصلاحات الهيكلية.

وبينما يقترب الموعد النهائي لتلك المراجعتين في سبتمبر أو أكتوبر المقبل، على أقصى تقدير، بحسب تصريحات رسمية من الصندوق ووزارة المالية المصرية، تتكثف التحركات الحكومية في محاولة لسد هذه الفجوات والتمهيد لصرف الشريحة التالية من القرض.

ورغم أن المراجعات الدورية مع الصندوق تبدو ظاهريا إجراء فنيا، فإنها في الحالة المصرية تحمل طابعا سياسيا اقتصاديا مركبا، يربط بين ثقة المستثمرين، واستقرار الأسواق، واستدامة تدفق النقد الأجنبي، خصوصًا في ظل الضغوط التمويلية التي تمر بها البلاد.

سياسات ضريبية جديدة ومؤشرات اقتصادية داعمة

كيف تكثف مصر تحركاتها لتنفيذ متطلبات صندوق النقد الدولي لإقرار المراجعتين الخامسة والسادسة؟

تشير التصريحات الأخيرة لوزير المالية، الدكتور أحمد كجوك، إلى أن الحكومة بدأت في اتخاذ خطوات حاسمة لإغلاق الملفات المفتوحة مع صندوق النقد، على رأسها إطلاق الحزمة الثانية من التيسيرات الضريبية والجمركية، والتي يرتقب الإعلان عنها خلال أيام، كجزء من خطة إصلاح شامل تستهدف توسيع الوعاء الضريبي وتقييد الإعفاءات الضريبية غير المنتجة.

هذه الحزمة، وما يتبعها من إعلان مرتقب لـ وثيقة السياسات الضريبية قبل نهاية 2025، تأتي استجابة مباشرة لتوصيات الصندوق بضرورة زيادة الإيرادات العامة بشكل مستدام، خاصة عبر أدوات لا تثقل كاهل الفئات الهشة ولكن تضمن عدالة التوزيع وفعالية التحصيل.

في الوقت ذاته، تراهن الحكومة على مؤشرات الأداء الاقتصادي لإثبات جديتها، حيث كشف كجوك عن تحقيق نمو بنسبة 35% في الإيرادات الضريبية خلال أول تسعة أشهر من العام المالي الماضي، وهي زيادة مدفوعة جزئيًا بعمليات التحول الرقمي والحوكمة المالية، وليست فقط برفع أسعار أو فرض ضرائب جديدة.

كذلك، بلغ معدل النمو الاقتصادي في الربع الثالث من العام المالي الماضي نحو 4.8%، وهي نسبة تتجاوز التوقعات السابقة وتعكس تحسن بعض القطاعات الرئيسية مثل الصناعة والسياحة والصادرات، مما يمنح الحكومة نقاط قوة إضافية في حواراتها مع الصندوق.

قلق من وصول الدين الخارجي لـ 200 مليار دولار

من أبرز النقاط الشائكة التي تثير القلق بين دوائر الرأي العام والاقتصاد، تلك المتعلقة بارتفاع الدين الخارجي لمصر، والذي أشار صندوق النقد إلى أنه قد يتجاوز 200 مليار دولار خلال السنوات المقبلة، لكن خطاب وزارة المالية الرسمي يسعى إلى تفكيك هذا القلق عبر وضع الدين في سياقه النسبي لا المطلق.

فبحسب كجوك، فإن ارتفاع القيمة الإجمالية للدين لا يعني بالضرورة تدهور الوضع المالي، ما دامت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في مسار نزولي، وهو ما تسعى الحكومة لتحقيقه عبر ضبط الإنفاق وتحقيق نمو اقتصادي متوازن، مع التركيز على توليد موارد ذاتية عبر الضرائب والإنتاج، لا عبر الاستدانة فقط.

بهذا الطرح، تحاول مصر إقناع صندوق النقد والمستثمرين بأن إدارة الدين ليست مسألة رقمية بحتة، بل هي جزء من معادلة أوسع تتضمن النمو، وسعر الصرف، والفائض الأولي، وسعر الفائدة.

كيف تكثف مصر تحركاتها لتنفيذ متطلبات صندوق النقد الدولي لإقرار المراجعتين الخامسة والسادسة؟

تحركات حكومية لتحويل الودائع الخليجية إلى استثمارات

ضمن محور موازي، تتحرك الحكومة على خط حساس يتعلق بضرورة تحويل الأصول قصيرة الأجل إلى تدفقات طويلة الأجل، فبدلًا من الاكتفاء بودائع خليجية غير منتجة، تحاول مصر الآن تحويل تلك الودائع إلى استثمارات فعلية في قطاعات إنتاجية ذات قيمة مضافة.

وقد كشف كامل الوزير، نائب رئيس الوزراء لشؤون التنمية الصناعية، أن المحادثات مع الجانب الكويتي دخلت مرحلة متقدمة لتحويل الوديعة الكويتية البالغة 4 مليارات دولار إلى استثمارات مباشرة، عبر عروض تشمل قطاعات مثل الموانئ البحرية، والمناطق اللوجيستية، والمناطق الصناعية.

وتهدف هذه التحركات إلى تحقيق هدفين متوازيين، الأول منهما هو تقليل عبء الديون قصيرة الأجل من جهة، والثاني هو زيادة معدلات الاستثمار الأجنبي المباشر، بما يسهم في استقرار سعر الصرف ورفع الاحتياطي النقدي دون اللجوء لحلول تقشفية.

صفقات منتظرة.. بيع بنك القاهرة وارض في الساحل الشمالي

كيف تكثف مصر تحركاتها لتنفيذ متطلبات صندوق النقد الدولي لإقرار المراجعتين الخامسة والسادسة؟

تزامنا مع هذه الجهود، تواترت خلال الأسابيع الأخيرة أنباء قوية عن اقتراب حسم عدد من الصفقات الاستراتيجية، التي طال انتظارها، لكنها تكتسب هذه المرة طابعا أكثر واقعية وأهمية، في ظل اقتراب موعد المراجعات النهائية مع الصندوق.

تتحدث بعض المصادر عن صفقة شبه منجزة لتخصيص قطعة أرض متميزة في منطقة الساحل الشمالي لمستثمرين قطريين، بالإضافة إلى عودة صفقة بيع بنك القاهرة للواجهة، بعد سنوات من التأجيل، وسط توقعات بأن يكتمل تنفيذها في غضون أسابيع.

هذه الصفقات، في حال إنجازها، تمثل رسائل طمأنة مزدوجة لصندوق النقد الدولي والأسواق المالية، مفادها أن الحكومة قادرة على تحقيق تدفقات رأسمالية دون تحميل الموازنة أعباء إضافية، وأنها تمضي في طريق الإصلاح المؤسسي عبر التخلص من الأصول غير المستغلة أو غير الاستراتيجية.

أكتوبر المقبل.. موعد مع الثقة أم التشكيك؟

لا يبدو أكتوبر المقبل مجرد شهر في أجندة صندوق النقد، بل هو محطة اختبار حقيقية لقدرة مصر على تنفيذ إصلاحات حقيقية وجادة، تتجاوز لغة التصريحات وتدخل إلى عمق المنظومة المالية والاقتصادية.

وفي ظل التحديات المزدوجة التي تواجهها الحكومة بين تراجع التدفقات الدولارية، وضغوط الداخل بشأن تكلفة الإصلاح، فإن الرهان الحقيقي لم يعد على استكمال المراجعة فحسب، بل على تغيير مسار الاقتصاد المصري نحو نموذج إنتاجي أكثر استدامة، يدعم النمو من القاعدة لا من القمة فقط.

ويبقى السؤال الحاسم: هل تنجح مصر في إقناع صندوق النقد بأن ما يحدث على الأرض ليس مجرد استجابة لشروط، بل تحول استراتيجي في بنية الاقتصاد والإدارة المالية؟ الإجابة ستكشف عنها الأسابيع القليلة المقبلة.



‫0 تعليق

اترك تعليقاً