عذرًا عبد الناصر.. ما الذي دفعك للمجيء إلينا؟

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


أمد/ تحل الذكرى الـ73 لقيام ثورة 23 يوليو المصرية المجيدة، بقيادة تنظيم “الضباط الأحرار” وعلى رأسه القائد التاريخي للأمة العربية، جمال عبد الناصر. ذلك القائد الذي نفخ في العرب روح العزة والكرامة، ودعاهم لأن يرفعوا رؤوسهم بعد الثورة التي حققت مطالبهم الأساسية، والذي زرع العزة والكرامة في نفوسهم، وبات يشار للعرب بالبنان في العالم.
عاش العرب حقبة قصيرة (1952 – 1970) عمادها الكرامة والعزة والافتخار، انتشرت فيها القومية العربية في جميع أرجاء الوطن العربي، وتحققت أول وحدة عربية فعلية بين دولتين عربيتين، ووحدة الجيوش التي شاركت معا في الحروب ومن خلفها الشعوب العربية، التي آمنت بحقها في التطور والعيش بكرامة، والتفت جميعها حول القضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب الأولى. وكان جمال عبد الناصر يقود الأمة بكل تفان وإخلاص ويعمل على ترسيخ مباديء القومية العربية ونشرها، مرددا دون تردد: “هذا هو سبيلنا.. وهذا هو طريقنا.. قومية عربية”.
لكن القدر لم يمهل عبد الناصر مواصلة مشواره، وقطفه المنون وهو في عزّ الشباب بعمر 52 عاما. وقد أجاد الشاعر العربي نزار قباني في نقل الواقع الذي أصاب العرب بعد رحيل عبد الناصر المفاجيء، والذي شكل صدمة ضربت العرب في الصميم، وأتاحت لأعداء عبد الناصر من استعمار غربي ورجعية عربية، فرصة مداهمة الوطن العربي في ظل الفراغ الذي نشأ والسيطرة عليه، والتحكم بمصيره وتوجيهه في اتجاه مخالف ومناقض لما أسسه عبد الناصر، وهذا ما نراه واضحا في السنوات الأخيرة. وهذا ما كان قد تنبأ به مؤسس حزب البعث العربي، ميشيل عفلق حين قال محذرا: ” لو زال عبد الناصر، فإن ذلك سيرجع بالعرب عشرات السنين إلى الوراء، إلى زمن الاحتلال والتجزئة والفساد والانحلال، لأن سياسة عبد الناصر الاستقلالية العربية قد رفعت قضية العرب وإمكانياتهم درجات حاسمة إلى فوق، ونقلتها إلى المستوى الجدى الذى يفصل فصلاً حاسماً لا لبس فيه بين الأوضاع الراهنة الفاسدة، التى هى سبب ضعف العرب وسيطرة الاستعمار ووجود إسرائيل، وبين الحياة والأوضاع الجديدة التى يتطلع إليها العرب والتى توفر لهم من أسباب القوة ما يكفل تحررهم ووحدتهم” .
وبدل أن ينهض العرب من الصدمة الكبيرة، وجدوا أنفسهم ينخرطون في المخططات الاستعمارية، وأثبت العرب مجددا أنهم أمة خاملة، كسولة، ظاهرة صوتية كما قيل فيها. بل أكدوا أنهم “شعوب من الجاهلية” كما وصفهم نزار قباني. نحن الذين قتلنا ناصر بجهلنا وغبائنا وتشرذمنا وبتكفيرنا وتخويننا لبعضنا البعض، فهل بعد ذلك كله نستحق قائدا وزعيما ورئيسا مثل عبد الناصر؟ أثبتنا أننا لا نعرف قيمة وجود عبد الناصر بيننا ومعنا، ولا نستحق ذلك: “فليتك في أرضنا ما ظهرت.. وليتك كنت نبيّ سوانا”. فنحن لا نعرف قيمة الأنبياء ونسعى لقتلهم بأيدينا دون خجل أو تردد، من أجل ثلاثين من الفضة أو كسب رخيص وانصياعا لأوامر وتعليمات الاستعمار الفكري والميداني.
اليوم يتأكد لنا أن ظهور عبد الناصر بين العرب، كان خطأ تاريخيا. زرع فينا الأمل، بأنه يمكننا أن نكون أمة حضارية. قدم لنا مشروعا عروبيا متقدما. أثبت أنه يمكن لحاكم عربي أن يكون مستقيما، نظيفا، مبدئيا. بينما ماذا قدمنا بالمقابل؟ حمّلناه كل همومنا ومشاكلنا، تركناه يقاتل ويواجه، يبني ويعمّر لوحده، حتى أننا قتلناه بخلافاتنا التي لا تنتهي. ولهذا لا نجد أصدق من كلمات شاعرنا نزار قباني حين سأله: ” لماذا قبلت المجيء إلينا؟” وكان الجواب الصريح والموجع: ” فمثلك كان كثيرا علينا..”…”.



‫0 تعليق

اترك تعليقاً