ماذا لو تم تخفيض سن التصويت إلى 16 سنة؟ ألا تحتاج تجاربنا الانتخابية إلى جيل جديد يعيد إليها بعضا من الحياة؟
سؤال بات يطرح بإلحاح في ظل التحولات المؤسساتية والاجتماعية والتكنولوجية المتسارعة التي يشهدها مجتمعنا اليوم.
تحتاج مؤسسات الديموقراطية (الهيئات المنتخبة أساسها) لنفس جديد، ولدينا شباب جاهز!
لم يعد الشباب ينتظر بلوغ سن الرشد القانوني حتى يكوِّن مواقفه السياسية أو يتفاعل مع القضايا العمومية. بفضل التكنولوجيا الحديثة، ووسائل التواصل الاجتماعي، ووفرة المعلومات، صار بوسع الأطفال في سن المراهقة أن يطّلعوا على الشأن العام، ويناقشوا القوانين والسياسات، ويتابعوا الشأن السياسي المحلي والدولي بشكل يومي، بل ويتخذوا قرارات مبكرة بشأن قناعاتهم وخياراتهم.
عدد من المواقع الإلكترونية وضمنها عدد من وسائل التواصل الاجتماعي، خفضت حق الولوج إليها إلى 13 سنة منذ سنوات.
تخفيض سن التصويت إلى 16 سنة يمكن أن يشكّل بوابة لإدماج هذه الشريحة المهمة في الحياة السياسية بشكل مبكر، مما يعزز من انخراطها الطويل الأمد في الشأن العام. كلما شعر الشباب بأن أصواتهم مسموعة ومعتبرة، كلما زاد احتمال مشاركتهم المستدامة في الانتخابات، والعمل الجمعوي، والمبادرات السياسية والمدنية. إن إتاحة التصويت لهذه الفئة لا ينبغي أن يُنظر إليها كمجازفة، بل كاستثمار في مواطنات ومواطنين فاعلين، لديهم القدرة على المساهمة في بناء مستقبل بلدانهم، خاصة وأن العالم يعيش تحولات تستدعي طاقات وتجديدًا مستمرًا للنخب والأفكار.
هناك تجارب دولية تثبت أن هذه الخطوة ممكنة وناجعة. فقد سمحت بعض الجهات في ألمانيا للشباب الذين بلغوا 16 سنة بالمشاركة في الانتخابات الجهوية (منذ 1995)، واعتمدت البرازيل نفس السن في الانتخابات الرئاسية (1989)، وكانت النمسا أول دولة تسمح للشبان بداية من 16 سنة بالمشاركة في الانتخابات الوطنية والأوربية (2007). واليوم تستعد بريطانيا، معقل برلمان “ماغنا كارتا”، إلى اعتماد هذا الخيار على المستوى الوطني، مما يعكس الوعي المتزايد بأهمية مشاركة الشباب المبكرة في القرار السياسي للدولة.
بطبيعة الحال، لا يمكن فصل هذا الإجراء عن أهمية إدماج التربية المدنية والسياسية في المدارس منذ بداية المرحلة الإعدادية، وتوفير بيئة تشاركية تنشر المعرفة السياسية بالأحزاب والنقابات والجماعات الترابية ومنظمات المجتمع المدني وبالسياسات العمومية وبالقانون، وأيضا بيئة تعزز التفكير النقدي وروح المسؤولية وتنهض بأهمية القراءة في الحياة وفي صناعة الأفكار. إن السماح لشاب وشابة في سن 16 بالتصويت هو إعلان ثقة في قدراتهما العقلية والأخلاقية، ودعوة مفتوحة لهما ليكونا شريكين حقيقين في صياغة حاضر ومستقبل بلدهما.
وبالتالي، إن تخفيض سن التصويت ليس فقط إجراءً تقنيًا، بل هو خطوة رمزية تعبر عن رؤية أكثر شمولاً للديمقراطية، حيث يُنظر إلى الشباب كقوة حيوية، وليس فقط كفئة يجب عليها الانتظار ليقرر آخرون نيابة عنها في انتظار أن “تنضج” كي تستحق صوتها.
لنفكر خارج المألوف !