تخفيف الدين العام: ضرورة للإصلاح الإداري والاقتصادي ضمن استراتيجية وطنية شاملة

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


في ظل التحديات الاقتصادية المتراكمة التي تواجهها المملكة، وعلى رأسها الدين العام الذي بلغ مستويات مقلقة، بات من الضروري أن نفتح باب النقاش الجاد والهادئ حول حلول عملية و علمية ومستدامة، لا تمس العدالة الاجتماعية ولا تؤثر على الأمن الوطني، بل تعيد بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، وتعزز الإنتاجية والكفاءة و الفعالية في الإدارة العامة. و من هذه الحلول، يبرز الإصلاح الإداري و الاقتصادي كخطوة واقعية يمكن أن تساهم بشكل مباشر في تخفيف الأعباء المالية عن خزينة الدولة، دون المساس بالخدمات الأساسية للمواطنين. وفي هذا السياق، فإن دمج الوزارات والمؤسسات ذات الاختصاصات المتداخلة يُعد خيارًا منطقيا و عقلانيًا، طالما نُفّذ ضمن دراسة مؤسسية دقيقة تضمن استمرارية العمل وجودة الخدمات.فعلى سبيل المثال، يمكن دمج وزارة الثقافة مع وزارة الشباب، ووزارة البيئة مع وزارة الزراعة، وضم بعض الهيئات المستقلة إلى الوزارات الأم، وهو ما يوفّر الإنفاق على الأبنية واللوجستيات، ويقلل من الازدواجية في الصلاحيات، ويحسن كفاءة الأداء الحكومي. هذا الدمج لا يعني تسريح الموظفين أو المساس بحقوقهم، بل إعادة توزيع الموارد البشرية بشكل أكثر فاعلية و أكثر كفاءة .وفي الإطار نفسه، فإن مراجعة حجم التمثيل البرلماني في مجلسي النواب والأعيان لا تقل أهمية، خاصة أن التجربة أثبتت أن الكفاءة لا تقترن بالعدد، بل بجودة التمثيل والقدرة على التشريع والمساءلة. تقليص عدد النواب إلى رقم أكثر انسجامًا مع الكثافة السكانية، وتقليص عدد الأعيان بما ينسجم مع الدور الاستشاري للمجلس، يمكن أن يسهم في ترشيد الإنفاق العام وتحسين الصورة النمطية عن العمل النيابي، مع ضرورة الحفاظ على التمثيل العادل للمناطق والمحافظات.لكن هذه الإصلاحات، على أهميتها، تبقى جزءًا من صورة أوسع تتطلب رؤية شمولية تتضمن أيضًا:إصلاح النظام الضريبي ليصبح أكثر عدالة وكفاءة، وتحفيز الاستثمار في القطاعات الإنتاجية، ولا سيما الصناعة والطاقة المتجددة والسياحة و الزراعة .مكافحة التهرب الضريبي والفساد الإداري بكل حزم، فكل دينار يُهدر أو يُسرق من المال العام هو عبء إضافي على الموازنة و يجب أن يتم وضع عقوبات رادعة و قاسية لكل من يفكر بذلك .توجيه الدعم لمستحقيه الحقيقيين من خلال أدوات ذكية تضمن العدالة وتحمي الفئات الهشة و استخدام ما يسمى الذكاء الصناعي و الخدمات الإلكترونية .إعادة النظر في أولويات الإنفاق، وربط الاقتراض بالمشاريع الإنتاجية بدل التوسع في الإنفاق الجاري.إن أي إصلاح اقتصادي لا يمكن أن يُكتب له النجاح ما لم يُبْنَ على أسس من الشفافية، والعدالة، المصداقية ، والمشاركة المجتمعية. والأهم من ذلك، أن يترافق مع خطاب وطني صادق يُشرك المواطن لا كمتلقٍ، بل كشريك في صنع القرار وتحمل المسؤولية.ختامًا، فإن الأردن لديه من العقول والخبرات والموارد ما يكفي لتجاوز هذه التحديات، شريطة أن تتوفر الإرادة، وتُفعّل أدوات التخطيط والإدارة الرشيدة، في ظل قيادة هاشمية حكيمة، وشعبٍ لا يعرف اليأس، ويؤمن أن الإصلاح ليس خيارًا، بل ضرورة وطنية.



‫0 تعليق

اترك تعليقاً