مدار الساعة – كتب عبد الهادي راجي المجالي – … قرأت مقال السيدة هيفاء أبو غزالة المحترمة، حول قيام أمانة عمان بالتعميم عليها، نتيجة قيامها بتركيب مصعد… أنا أعمل في أمانة عمان، ودون أن أسأل أحدا من الزملاء المهندسين، أو حتى مكتب الأمين عرفت أن القصة مرتبطة بتركيب المصعد داخل التهوية، وهذا من الأمور التي تخالف الأنظمة والتعليمات… أنا لا أقبل أن يعمم على السيدة هيفاء أبو غزالة، واعتبر الأمر مقلقا ومعيبا ، ولكني مجبر أن أخبر السيدة هيفاء بقصص خارج سياق المصاعد، قصص تتعلق بتركيب الوجع، المئات من شبابنا الذين غادروا البلد في السبعينات والثمانينات للدراسة في عواصم الكتلة الشرقية ، وفي العالم العربي ..اعتقلوا لاعتناقهم مباديء أحزاب ثورية ، وأمضوا ردحا من العمر في السجون ..هؤلا حين يتحدثون عن تجربتهم تلك ، تجدهم يتحدثون بحب ، لم أشاهد أحدا منهم رجم الأردن أو رجم مؤسساته.. بل نظروا لتلك السنوات العجاف على أنها كانت تجربة في زمن الأحكام العرفية ، نظروا لها من زاوية الضريبة التي يجب أن تدفع لقاء المباديء .يعقوب زيادين في كتابه البدايات تحدث عن سجن الجفر ، هو لم يقم بتركيب مصعد ..قام بتركيب وهندسة الحزب الشيوعي في البلد ، أمضى سنوات من عمره متنقلا بين سجن المحطة وسجن الجفر ، كان طبيب العسكر الذين اعتقلوه وطبيب الرفاق الذين شاركوه الحلم ، لم أسمع يعقوب يتحدث عن الأردن إلا بالحب، وكان بإمكانه أن يطالب الدولة بتعويض على الأقل عن تحطم أصابع يده اليمني ، حين أغلق السجان الباب عليها عمدا …مات وفيا للأردن وللكرك والمبادئ.لماذا يجب أن يطبق القانون على الفقراء وحدهم؟.. ولماذا حين تصاب طفلة بلدغة أفعى في جرف الدراويش أو قطر أو المريغة، على والدها أن يقطع عشرات الكيلومترات حتى يوصلها لمشفى قريب، وقد يفلح وقد لايفلح ..ولا يجد منبرا لشكواه ، لا صحيفة ولا محطات النخبة الليبرالية المزيفة ، ولا مواقع مهمة ومقروءة.. ويلتحف وجعه ويمضي ، بالمقابل مصاعد عمان الغربية ، تجد لها ألف منصة للشكوى وألف معلق على الفيس بوك يتعاطف ، وألف مسؤول يرسل بالواتس أب ، وألف مليونير يهاتفون أمين عمان ويعاتبونه.لأجل مصعد تهتز البلد، ولأجل تعميم تصاب الدولة كلها بالخراب، ويستنفر السفير أمجد العضايلة ، ويخاطب الجهات المسؤولة وغير المسؤولة.. في حين أن طالبا أردنيا تاه في العاصمة القاهرة ، احتاج لشهر كامل حتى يوصل شكواه ..الدولة تستفز لأجل النخب، والصحافة تستفز أيضا ، وحتى البنوك والمكاتب الفاخرة ، ورجالات النخبة ..كلهم يستفزون ، بالمقابل ذاك البدوي القاطن في أقصى الجنوب الذي قرر أن يقوم بتركيب مصعد للسماء كي يرفع الدعاء في سويعات الفجر ، تظلما وشكوى من الجوع لايستفز أحد لأجله.هذا هو الأردن في مقياس بعض النخبة التي أنتجتها الدولة، مجرد مقال للشكوى، أما الحديث عن فضائله… فلا يوجد، لأن النخبة تعتبر أن الفضائل في وطننا مفقودة.لقد أمضيت سنوات من عمري أعمل في أمانة عمان وما زلت، أعرف معظم الإدارات والموظفين، أعرف الأخطاء والعثرات والإنجازات ، وأعرف أن سيارات الأمانة وإن كانت كثيرة ، لكن جمع (50) واحدة منها لايعادل ثمنه نصف ثمن سيارة من سيارات النخب التي استوطنت دير غبار وعبدون.قلت :أعرف المكاتب ، أعرف الإدارات … وأعرف أنها مؤسسة وطنية ، حملت أعباء النظافة والثقافة، حملت أعباء الخبز ..والباص السريع، وخدمة الناس، حملت أعباء توفير الملاعب والحدائق، حملت أعباء الرياضة والوطن، ويشطب كل تاريخها عند تعميم؟على كل حال، ماذا فعل سفيرنا في القاهرة؟ هل شطب التعميم يا ترى؟ هل أقام وليمة؟ واعتذر؟… القصة عند سفيرنا.