ثمة أناس يسيرون بيننا وهم مرهقون من الداخل، من فرط ما يُجبرون أنفسهم على الابتسام في وجه من يستنزفهم، ومن كثرة الصمت حتى لا يخسروا، ومن فرط محاولاتهم لفهم الآخر، في وقتٍ يعجزون فيه عن فهم أنفسهم.
العلاقات ليست دائمًا حضنًا ودفئًا. في بعض الأحيان، تتحوّل إلى ساحة حربٍ نفسية.
لا عدوّ ظاهر فيها، لكن الاستنزاف لا يتوقّف، استنزاف لا يظهر في هيئة جرح، بل يُرى في ملامح عقلٍ مُتعب، ونفسٍ حائرة، وروحٍ تاهت عن ذاتها.
نتخيل أحيانًا أن العلاقة ستكون المساحة التي نُرى فيها، لكننا نُفاجأ بأنها تُشتتنا أكثر، ندخلها ونحن نحمل خيبات الماضي.
نتمسك بآخر، على أمل أن يُرمّم ما انكسر فينا، بينما هو ذاته لا يعرف من يكون، فكيف له أن يحملنا؟
الذي يتألم ليس القلب وحده، بل العقل يُنهك من كثرة التفكير، من التحقق المتكرر من كل كلمة وتصرّف.
وتنهال الأسئلة:
هل أنا السبب؟ أم أنه من يُراوغ؟
هل يحبني فعلًا؟ أم يمارس سيطرته عليّ؟
هل غيرته صادقة؟ أم أنه يهوى التملّك؟
هل يراني بصدق؟ أم يرى نفسه من خلالي؟
أسئلة تُشكّكك في ذاتك، وفي مشاعرك، وفي بصيرتك..
في خضمّ كل هذا، يبدأ العقل في الانهيار. تشعر بأنك لم تعُد قادرًا على التمييز بين الحقيقة والوهم
يخفت صوتك الداخلي، وتنهار ثقتك بنفسك، والأخطر أنك لا تنتبه..
فالاستنزاف النفسي لا يأتي في صورة صراخ، بل في صورة صمتٍ طويل، وإحساسٍ دائم بأنك مُراقب، ومُحكوم عليك طوال الوقت..
فكيف تحمي عقلك؟
آمن بإحساسك إن شعرت أن العلاقة تستنزفك وتُؤلمك وتستهلكك… فغالبًا ليست العلاقة المناسبة لك.
لا تنتظر علامةً صارخة.
فالعلاقات المؤذية ليست دومًا خيانة واضحة
بل قد تكون تلاعبًا نفسيًا، وخوفًا يتنكّر في هيئة حب.
تذكّر أن السلام النفسي ليس رفاهية
أن تكون مرتاحًا، مطمئنًا، غير مهدَّد
ألا تكون مضطرًا لتفسير كل سلوك
ألا تُجبر نفسك على إثبات أنك “جيد بما يكفي” كي تُحَب
كل هذه أمور لا منطق فيها، بل تُؤذي أكثر مما تُصلح..
العلاقة الصحية ليست تلك التي تخطفك فجأة
ولا تلك التي تُغرقك في دوّامة من المشاعر المتقلّبة
العلاقة الحقيقية هي التي تمنحك هدوءًا
تشعرك بأنك لا تحتاج لتبرير وجودك
وأنك موجود… ومحبوب… كما أنت
احمي عقلك..
فإذا فقدت وضوحك، تشوّه كل ما حولك
وحين يتعب عقلك، يتعب قلبك معه
اعتني بعقلك كما تعتني بأثمن ما لديك
لأنه هو المأوى الوحيد الذي ستسكنه طوال عمرك..